إن الحمد لله ،
نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من
يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده
لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق
تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )) ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من
نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي
تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )) ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز
فوزا عظيما )) أما بعد ،،، فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ،
وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
أما بعد الحديث
النبوي المصدر الثاني من مصادر التشريع التي تبنى عليها الأحكام ، لزم كل عالم و
طالب علم أن يعتني به غاية الاهتمام وهذا ما سبقنا به الأولون، فهم خير من اعتنى
به علما وعملا، ودرسا وفهما. فألفوا فيه التآليف وصنفوا المصنفات الكثيرة فكان لهم
السبق والفضل في ذلك. وعلينا نحن التمسك بما خلفوه، والذود عنه بالعشي والإبكار.
لذا جاء هذا العرض تحت عنوان: حديث معاوية بن الحكم:
" بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل.." (دراسة
وتخريج)
وقد قسمناه إلى فصلين: الأول خصصناه لتخريج
الحديث،والثاني حاولنا أن نجمع فيه بعض الفوائد المتعلقة بالحانب العقائدي والجانب
الفقهي في الحديث، معتمدين في ذلك على الكتب المصنفة في كلا المجالين.
ونسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه،إنه ولي ذلك
والقادر عليه.
الفصل الأول : تخريج
حديث معاوية بن الحكم السلمي .
المبحث الأول : تخريج
الحديث
المبحث الثاني : أقوال
العلماء في الحديث.
الفصل الأول : تخريج
حديث معاوية بن الحكم السلمي
لما كان حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم مدار الأحكام وبه قيام مصالح الأنام في شتى العصور والأزمان ،وسيرا على درب أئمتنا المحدثين القدماء
والمحدثين الذين كانوا يتلقون حديث رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالتحقيق والتدقيق ،مخافة الوقوع في مثل قوله صلى الله
عليه وسلم "من كذب علي متعمدا
فليتبوأ مقعده من النار "[1]
فلما عرفوا حق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شعروا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم فشمروا على ساعد الجد في تقعيد القواعد وتأصيل
الأصول حتى يكون المتكلم في الحديث على بينة من أمره .
المبحث الأول : دراسة
حديث معاوية بن الحكم السلمي .
هذا الحديث أخرجه :
الإمام مسلم في صحيحه (
كتاب المساجد ومواضع الصلاة /باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من اباحة
)برقم 537 الجزء الأول الصفحة (381).وأبو عوانة
في مسنده (باب بيان حضر الكلام في الصلاة بعد إباحته فيها والدليل على أن
من تكلم فيها على الخطأ وفي الموضوع الذي يظن أنه جائز له كانت صلاته جائزة
)1/465-466 برقم 1727.
وأبو داوود في سننه[2](كتاب
الصلاة /باب تشميت العاطس في الصلاة )1/307.والنسائي في المجتبى[3]
من السنن كتاب صفة الصلاة /باب الكلام في الصلاة 3/ 14 وأخرجه أيضا في السنن الكبرى (كتاب السير/القول الذي
يكون به مؤمنا 5/173 وأخرجه أيضا الدارمي
في السنن كتاب الصلاة /باب النهي عن الكلام في الصلاة 1/422 برقم (1502) وفي كتابه الرد على الجهمية ( ص: 45 )وابن
الجارود في المنتقى [4] كتاب
الصلاة /باب الأفعال الجائزة في الصلاة والغير الجائزة 1/63 برقم 212 والإمام أحمد
في مسنده 5/447-448 والبيهقي في سننه الكبرى كتاب الحيض/باب من تكلم جاهلا بتحريم
الكلام في الصلاة 2/249-250 وابن حبان في
صحيحه[5]
كتاب الصلاة باب ما يكره للمصلي ومالا يكره 6/12 وأبو داوود الطيالسي برقم (1105) 1/150
والإمام الطحاوي في شرح كعاني الآثار 1/258.
وأبو بكر بن أبي شيبة
في مصنفه كتاب الصلوات /باب الرجل يعطس في الصلاة 2/192
والطبراني في المعجم
الكير 19/399-398-402.
وبن خزيمة في صحيحه
كتاب الصلاة /باب :ما يكره للمصلي وما لايكره
6/22 .وأخرجه في كتاب التوحيد (ص: 121-122).
وابن مندة في كتاب
الإيمان /باب ذكر ما يدل على أن المقر بالتوحيد اشارة الى السماء بأن الله في
السماء دون الأرض وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى مؤمنا 1/230 .
واللالكائي في شرح
اعتقاد أهل السنة والجماعة برقم(652)باب سياق
ما روي في قوله تعالى
"الرحمان على العرش استوى" 3/392 .
وأبو بكر بن أبي عاصم
في "السنة"برقم (489)باب :ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه 1/215 .
وابن عبد البر في
التمهيد " [6] 7/134-135.
وأحمد بن عمرو بن
الضحاك أبو بكر الشيباني في" الآحاد والمثاني 3/82 برقم 1398.
كلهم من طرق عن يحي بن
أبي كثير عن هلال بن ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال
:"بينا نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ عطس رجل من القوم فقلت
يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون الي قال : فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم
يصمتوني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه والله ما
كهرني ولا شتمني ولا ضربني قال ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هي التسبيح
والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول
الله إنا قوم حديث عهد بالجاهلية وقد جاء
الله بالإسلام وان منا قوما يأتون الكهان قال فلا تأتوهم قلت إن منا قوما يتطيرون
قال ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم قلت ان منا قوما يخطون قال كان نبي يخط
فمن وافق خطه فذلك .قال "وكانت لي جارية ترعى غنما لي في قبل أحد والجوانية فأطلعتها
ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها
وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكني صككتها صكة فأتيت النبي صلى الله عليه
وسلم فعظم ذلك علي قلت يا رسول الله : أفلا أعتقها قال ائتني بها فأتيته بها فقال
لها أين الله فقالت : في السماء . قال من
أنا ؟ قالت : أنت رسول الله .قال :اعتقها فإنها مؤمنة وقال مرة هي مؤمنة فأعتقها
.وهذا اللفظ للإمام مسلم والإمام أحمد وأبو عوانة بلفظ "لو أعلم أنها مؤمنة
لأعتقتها " وأبو داود أيضا باللفظ السابق وصحح روايته الشيخ الألباني في صحيح
أبي داود 1/175. وهذا الحديث نجده يرد اما كاملا وإما مختصرا بألفاظ يعود أصلها
الى الرواية التي ذكرتها آنفا. فقد أورده ابن حبان والنسائي وبن خزيمة وبن
مندة وغيرهم بلفظ قصة الجارية : عن معاوية
بن الحكم السلمي قال :"كانت لي غنيمة ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية
فأطلعتها ذات يوم وقد ذهب الذئب منها بشاة
وأنا من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة فعظم ذلك علي فأتيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت :أفلا أعتقها ؟قال :ائتني بها فأتيته بها فقال : أين الله ؟
قالت : في السماء قال : من أنا ؟ قالت: أنت رسول ألله "
ونجد الحديث أيضا
مختصرا بما يتعلق بالطيرة والكهانة والخط كما هو عند الطبراني وغيره ولفظ الحديث :"عن
معاوية بن الحكم السلمي قال : قلت يا رسول الله منا رجال يتطيرون قال :ذاك شيء تجدونه في أنفسكم فلا يضركم قلت : ومنا
رجال يأتون الكهان قال : لا تأتوهم قال :ومنا رجال يخطون قال :قد كان نبي من
الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك" .
أما فيما يخص عنعنة يحي
بن كثير في بعض روايات هذا الحديث فلا تضر لأنه قد صرح بالتحديث ،وهي رواية أحمد
والنسائي في السنن الكبرى وغيرهما .
قال الألباني رحمه الله
في "ارواء الغليل"2/112 ": وقد صرح يحي بن أبي كثير بالتحديث في
رواية أحمد ".
يحي بن أبي كثير هو
الطائي اليمامي ،ذكره العجلي في الثقات 2/357 وقال الذهبي في (الكاشف 2/372 :أحد
الأعلام إمام.وقال الحافظ ابن حجر في التقريب 1/596 :ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل .
ومما يرفع شبهة التدليس
وجود طرق أخرى للحديث غير طريق يحي بن أبي كثير وهي كالتالي :
فقد أخرج الإمام رحمه
الله في الموطأ كتاب العتق والولاء/ما يجوز من العتق في الرقاب. وتبعه الإمام
الشافعي في الرسالة (ص75) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة /باب عتق المؤمنة في الظهار كلهم
من طريق هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال اتيت رسول لله صلى
الله عليه وسلم فقلت :يا رسول الله ان
جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت
أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة فأعتقتها فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم :أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت
رسول الله فقال :فأعتقها فقال :عمر بن الحكم يا رسول الله أشياء كنا نصنعها في
الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تأتوا الكهان فقال عمر
:وكنا نتطير فقال :إنما ذلك سيء يجده احدكم في نفسه فلا يضرنكم والسياق للبيهقي .
وفي الموطأ بقصة
الجارية فقط . وفي الحديث لفظة (لطمت وجهها) وهي بمثابة بيان لما تقدم في الروايات الأخرى من قول
معاوية بن الحكم السلمي (صككتها) وفي سند الحديث هلال بن أسامة ،قال الحافظ بن عبد
البر في التمهيد 22/75 باب الهاء ."هلال بن أسامة وهو هلال بن أبي ميمونة روى
عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ هِلَالُ بْنُ أُسَامَةَ وَرَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَا هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَرَوَى
عَنْهُ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ فَقَالَ هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ وَقِيلَ إِنَّهُ
هِلَالُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ وَأَبُوهُ يُكْنَى أَبَا مَيْمُونَةَ وَبِهِ
يُعْرَفُ بِالْكُنْيَةِ وَهُوَ بِهَا أَشْهَرُ ".
قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله في تهذيب التهذيب 11/72 :ثقة .
وقال الدار قطني في العلل 7/81 :"فرواه هلال بن أبي ميمونة
وهو هلال بن علي وهو هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم ".[7]
وفي الحديث أيضا عمر بن
الحكم بدل معاوية بن الحكم وهذا من أوهام
مالك وقد تبعه في ذلك كل من روى عنه الحديث وفي هذا الصدد يقول ابن عبد البر :هكذا
قال مالك في هذا الحديث عن هلال عن عطاء عن عمر بن الحكم لم يختلف الرواة عنه في
ذلك وهو عند جميع أهل العلم بالحديث وليس في الصحابة رجل يقال له عمر بن الحكم
وإنما هو معاوية بن الحكم ،كذالك قال فيه
كل من روى هذا الحديث عن هلال وغيره .ومعاوية بن الحكم معروف في الصحابة وحديثه
هذا معروف له وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه فأغنانا عن ذكر ذلك هاهنا وأما عمر بن
الحكم فهو من التابعين وهو عمر بن الحكم بن أبي الحكم وهو من بني عمرو بن عامر من
الأوس وقيل بل هو حليف لهم وكان من ساكني المدينة توفي بها سنة سبع عشرة و مئة وهو عم والد عبد الحميد بن جعفر الأنصاري
وعمر بن الحكم بن سنان لأبيه صحبة وعمر بن الحكم بن ثوبان هؤلاء ثلاثة من التابعين
كلهم يسمى عمر بن الحكم وهم مدنيون وليس فيهم من له صحبة ولا من يروي عنه عطاء بن
يسار وليس في الصحابة أحد يسمى عمر بن الحكم وإنما هذا معاوية بن الحكم لاشك فيه
". التمهيد 22/76.
وقال الحافظ ابن حجر في
تلخيص الحبير 3/222 :وأكثر الرواة عن مالك يقولون عمر بن الحكم وهو من أوهام مالك
في اسمه.
وقال البيهقي بعد ذكر
الحديث :(قال الشافعي رحمه الله :اسم الرجل معاوية بن الحكم كذا روى الزهري ويحي
بن أبي كثير). وأخرجه مسلم في "كتاب السلام / باب تحريم الكهانة وإتيان
الكهان ".
وأحمد في المسند 3/443
و5/449. وأبو داود الطيالسي في مسنده
(ص:150) والبيهقي في السنن الكبرى 8/138(كتاب القسامة /باب النهي عن الكهانة
وإتيان الكاهن ).
وعبد الرزاق في مصنفه
10/402 (كتاب القسامة باب النهي عن الكهانة وإتيان الكاهن).
والطبراني في المعجم
الكبير 19/396.
الآحاد والمثاني لأبي
بكر الشيباني 3/84.
كلهم من طرق :عن ابن
شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن معاوية بن الحكم السلمي قال :قلت يا
رسول الله أمورا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال :فلا تأتوا
الكهان قال :قلت كنا نتطير قال :ذاك سيء
يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم .
وأخرج الحديث أيضا أبو
داود في السنن 1/308 (كتاب الصلاة /باب تشميت العاطس في الصلاة ).
والبيهقي في السنن
الكبرى 2/249 (كتاب الحيض /باب ما لا يجوز من الكلام في الصلاة ).
والإمام الذهبي في
" العلو للعلي الغفار " الصفحة 27 والإمام الطحاوي في معاني الآثار
1/446 والبخاري في " خلق أفعال العباد " ص :107 .
كلهم من طريق فليح عن
هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال (لما قدمت على رسول
الله صلى الله عليه وسلم علمت أمورا من
أمور الإسلام فكان فيما علمت أن قال لي
:إذا عطست فاحمد الله وإذا عطس العاطس فحمد الله فقل يرحمك الله .قال :فبنما أنا قائم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الصلاة إذ عطس رجل فحمد الله فقلت يرحمك الله رافعا بها
صوتي فرماني الناس بأبصارهم حتى احتملني (معناه أغضبني والاحتمال الغضب) ذلك فقلت
مالكم تنظرون الي بأعين شزر؟قال فسبحوا فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم
الصلاة قال "من المتكلم"؟قيل
هذا الأعرابي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي :إنما الصلاة لقراءة
القرآن وذكر الله عز وجل فإذا كنت فيها فليكن ذلك شأنك "فما رأيت معلما قط أرفق من رسول الله صلى
الله عليه وسلم "وهذا اللفظ لأبي داود.وقد ضعف الشيخ الألباني هذه الرواية في
ضعيف أبي داود 1/90.وفي الحديث فليح بن سليمان بن المغيرة الخزاعي ويقال الأسلمي
.قال الذهبي رحمه الله في حقه :قال يحي بن معين والنسائي وأبو حاتم الرازي : ليس
بالقوي .[8]
وقال الحافظ ابن حجر في
تقريب التهذيب :صدوق كثير الخطأ.[9]
ورواية البخاري بلفظ
:عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال :"دعاني النبي صلى الله عليه
وسلم فقال :انما الصلاة لقراءة القرآن ولذكر الله ولحاجة المرء الى ربه فإذا كنت
فيها فليكن ذلك شأنك ".
أما رواية الذهبي فقد
أوردها من طريق فليح بن سليمان عن هلال بن علي بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي
قال كانت لي غنم ترعى بالعذيب بالعريض فكنت أتعهدها وفيها جارية لي سوداء فجئتها
يوما ففقدت شاة من خيار الغنم فقلت أين الفلانية قالت أكلها الذئب فأسفت وأنا من
بني آدم فضربت وجهها ثم ندمت على ما صنعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أضربت وجهها؟ وعظم ذلك تعظيما شديدا فقلت : يا رسول الله إن من توبتي أن
أعتقها.قال :فائتني بها قبل أن تعتقها فجئته بها فقال لها :من ربك؟ قالت: الله.قال
وأين هو ؟قالت :في السماء.قال :فمن أنا ؟قالت :أنت رسول الله.قال: أعتقها فإنها
مؤمنة.
قال الحافظ الذهبي بعد
اراد هذه الرواية :حديث صحيح.[10]
وهذا الحديث لم يذكره
الشيخ الألباني في مختصر العلو مما قد يدل على ضعفه عنده لأن من منهجه في الاختصار
الاكتفاء بالأحاديث الصحيحة دون الضعيفة قال رحمه الله في مختصر العلو : (وأما أنا
فقد جريت في هذا المختصر على حذفه وحذف أمثاله من الأحاديث الضعيفة لأنها وان كانت
تتضمن بعض الحق الذي ورد في النصوص الصحيحة فإنها على الغالب لا تخلو من زيادات ان لم تكن باطلة أو منكرة فهي على
الأقل غريبة لا يوجد لها من الشواهد ما
يدعمها )[11]والله أعلم.
وبقي أن أضيف شيئا مهما
يزيد من قوة الجانب الأخير من حديث معاوية بن الحكم السلمي والمتعلق بقصة الجارية
،فقد وردت من طرق أخرى تختلف شيئا ما على ما ورد في حديث معاوية بن الحكم ،فقد
أخرج الإمام أحمد في مسنده 3/451 ومالك في موطئه 2/777 كتاب العتق والولاء/باب مايجوز
من اعتق في الرقاب الواجبة [12].
من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن رجل من الأنصار أنه
جاء بأمة سوداء وقال ."يا رسول الله ان علي رقبة مؤمنة فإن كنت رى هذه مؤمنة
أعتقتها،فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدين أن لا اله إلا الله ؟قالت
:نعم .قال :أتشهدين أني رسول الله؟.قالت :نعم .قال : أتؤمنين بالبعث بعد الموت
؟قالت :نعم .قال اعتقها .والسياق للإمام أحمد ،قال الشيخ شعيب الأرنؤط في تعليقه
على المسند :"اسناده صحيح ورجاله ثقات رجال الشيخين".[13]
وفي سند الحديث ارسال من جهة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو
عبد الله المدني .وقال الحافظ في التقريب 1/372 :ثقة فقيه.
الحاصل في هذه الرواية
أنها موصولة من طرق أخرى على ما ذكر ابن عبد البر في التمهيد 9/113 والسيوطي في
تنوير الحوالك 1/142 فهو موصول من طريق المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عبيد
الله عن ابي هريرة .
وقد أخرجه البيهقي
موصولا من هذا الطريق في السنن الكبرى 7/388(كتاب الظهار/باب اعتاق الخرساء إذا
أشارت بالإيمان وصلت)بهذا اللفظ :"أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
بجارية سوداء فقال :يا رسول الله إن علي
عتق رقبة مؤمنة فقال لها:أين الله ؟ فأشارت الى السماء بأصبعها فقال لها :فمن
أنا؟فأشارت الى النبي صلى الله عليه وسلم والى السماء تعني أنت رسول الله ،فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:أعتقها فإنها مؤمنة.
وهذه الرواية تتناسب مع
حديث معاوية بن الحكم السلمي وهي صحيحة ورواية هذا الأخير أصح وان اختلفت الألفاظ
.
المبحث الثاني :أقوال
العلماء في الحديث.
بعد أن تناولت في
المبحث السابق دراسة الحديث آتي في هذا المبحث لأجمل أراء العلماء في حديث معاوية
بن الحكم السلمي أو (حديث الجارية) وهذا الاختلاف في التسمية راجع الى مضمون
الحديث فمن يسميه حديث "معاوية بن الحكم السلمي " اعتبر قصته في الصلاة
ومن يسميه حديث الجارية اعتبر قصة الجارية
الواردة فيه .
وهذا الحديث يعد صحيحا
باتفاق أهل النقل ،صححه تصريحا أو ما يقوم مقامه جمهرة من أهل العلم والفضل وعلى
رأسهم الإمام مسلم حيث أخرجه في صحيحه كما تقدم ،قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
:"وهو حديث صحيح أخرجه مسلم ".[14]
أما الإمام البيهقي في
الأسماء والصفات فقد قال بعد ذكر الحديث بسنده :"وهذا الحديث صحيح قد أخرجه
مسلم مقطعا ..."[15]
وقول البيهقي مقطعا ليس على اطلاقه لأن أغلب من روى الحديث اما أن يرويه كاملا أو
مقطعا كما هو عند الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن والبيهقي والنسائي
وغيرهم ،والإمام مسلم رواه كاملا من طريق يحي بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة
عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي ،وقد تقدم هذا في المبحث السابق وبينا
أن الحديث أصله واحد كما هو عند مسلم وأحمد وأبو داود وابن الجارود وغيرهم وأنه
ورد مقطعا اما بقصة الجارية أو واقعة الصلاة أو الطيرة والكهانة أو الطيرة والخط.
وهذا الإمام الذهبي في
(العلو للعلي الغفار) قال: " هذا حديث صحيح رواه جماعة من الثقات عن يحي بن
أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسارعن معاوية بن الحكم السلمي .أخرجه
مسلم وأبو داود والنسائي وغير واحد من الأئمة في تصانيفهم يمرونه كما جاء ولا
يتعرضون له بتأويل ولا تحريف "[16]
كما أن الشيخ الألباني
رحمه الله أشار الى صحته في غير ما موضع من كتبه الحديثية ،مثل صحيح أبي داود
وإرواء الغليل وظلال الجنة[17]
وقال في مختصر العلو :"فإنه مع صحة إسناد الحديث وتصحيح أئمة الحديث إياه دون
خلاف بينهما ".[18]
اذن يتبين من خلال ما
سبق مدى صحة الحديث وأنه لا مجال للطعن فيه لا من قريب ولا من بعيد مادام أن أصله
في صحيح مسلم واتفاق أئمة الحديث على تصحيحه .ورغم كل ذلك فقد ذهب البعض الى القول
باضطرابه كما فعل ذلك الشيخ محمد بن زاهد الكوثري في تعليقه على كتاب
"الأسماء والصفات للبيهقي "وفي غيره من كتبه وتعليقاته حيث قال :ان حديث
الرسول مع الجارية لم يكن إلا بالإشارة فعبر الراوي عما فهمه من إشارة الجارية
باللفظ المذكور ،ثم اشتهر اللفظ بين الصحابة ،وصواب الحديث وأصله "....فمد
النبي صلى الله عليه وسلم يده اليها مستفهما من في السماء ؟قالت :الله قال :من أنا
؟قالت:رسول الله " . وهذه الرواية أوردها الذهبي في (العلو للعلي الغفار) كشاهد
،وهي ضعيفة لأنها من رواية سعيد بن زيد وهو سعيد بن زيد أبو الحسن وقد ضعفه أئمة
الحديث منهم ابن حبان حيث قال :وكان ممن يخطأ في الأخبار ويهم في الآثار حتى لا
يحتج به إذا انفرد "[19].
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب :"صدوق له أوهام "[20].
وعلى الرغم مما في سند هذا الحديث من ضعف في السند فقد ارتكز عليه الشيخ الكوثري
-رحمه الله- وقال بتعارضه مع الأحاديث الصحيحة الأخرى .والقول بأن الصحابي قد صاغ
الحديث من عنده ليس بالقوي وحتى إذا سلمنا بذلك فلا تعارض بينه وبين الأحاديث
الأخرى والدليل على ذلك سياق الإمام الذهبي له شاهدا .كما أن أغلب الروايات لم
تأتي بهذا اللفظ كما قدمت ذلك سابقا .
وحاصل القول أن الرواية
التي اعتمدها الكوثري ضعيفة كما ذكر ذلك الألباني حيث قال :"من أمثلة ذلك ما
صنعه الكوثري في الحديث المشهور بحديث الجارية الصحيح الأتي برقم (2) فإنه استغل
أسوء الاستغلال الرواية الثانية التي أوردها المصنف في الأصل عقب الحديث المذكور
كشاهد لها في الجملة لا في التفصيل فجاء الكوثري واعتمد عليها جملة وتفصيلا عازيا اياها للمصنف موهما القاري
أنها ثابتة عنده فضرب بها الحديث الصحيح وأبطل بها دلالته الصريحة على مشروعية
السؤال ب(أين الله) لأنه لم يقع فيها هذا اللفظ وإسنادها ضعيف. كما تراه مشروحا في
التعليق قريبا ان شاء الله.
من اجل ذلك وغيره أعرضت
عن ذكر الرواية المذكورة ونحوها من
الأحاديث الضعيفة ففي ما ثبت منها خير وبركة وغنية ".[21]
وبهذا أختم بحمد الله
هذا الفصل الخاص بجانب الرواية وبقي جانب مهم وهو المتعلق بالدراية والذي خصصت له
الفصل الموالي المتعلق بالتعليق على الحديث.
الفصل الثاني :في
التعليق على الحديث
المبحث الأول :الجانب
العقيدي في الحديث .
المبحث الثاني :الجانب
الفقهي في الحديث.
الفصل الثاني :في
التعليق على الحديث
لقد عنونا هذا الفصل
بالتعليق على الحديث وذلك طلبا للاختصار وحتى لا يأخذ منا وقتا طويلا نحن في أمس الحاجة اليه.وعملنا ان
شاء الله سيركز على بيان وإيضاح بعض ما احتواه الحديث من أمور فقهية وعقائدية وفق ما سيأتي ان شاء
الله .
المبحث الأول :الجانب
العقائدي [22]في
الحديث
المسألة الأولى : في
نهييه صلى الله عليه وسلم عن اتيان الكهان.
جاء في حديث معاوية بن
الحكم السلمي رضي الله عنه قوله للنبي صلى الله عليه وسلم :ان منا قوم يأتون
الكهان .فقال صلى الله عليه وسلم : "فلا تأتوهم ".هذا الحديث دليل على
تحريم اتيان الكهان ،فمن هم الكهان ؟وما حكم اتيانهم ؟.
الكاهن في اللغة : من
كهن له يكهن بفتح الهاء و يكهن بضمها كهانة ،وتكهن تكهنا وتكهينا أي قضى له بالغيب
.[23]
ويقال أيضا الكهانة
بالكسر ،والكاهن :من يقوم بأمر الرجل ويسعى في إجابته .[24]
هذا في اللغة أما في
الاصطلاح :فقد عرفها أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيد بقوله : " الكاهن
واحدة الكهان والكهنة .قالوا :إن الكهانة كانت في العرب قبل المبعث ،يروى أن
الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه الى الكهنة فتزيد فيه ما تريد وتقبله الكفار
منهم ".[25]
وعرفها المناوي بقوله
:"الكهانة هي الإخبار عن الأمور الماضية الخفية بضرب من الظن ".[26]
قال السيوطي -رحمه
الله- :"قال الخطابي :الفرق بين
الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل ويدعي معرفة
الأسرار والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة أو نحوها "[27]وفي
ما ساقه الإمام السيوطي عن الخطابي نكتة بليغة تتمثل في بيان الفرق بين الكاهن
والعراف وهذا أمر مهم لأن الكثير من الناس لا يكادون يفرقون بين الأمرين .
وقال ابن القيم الجوزية
-رحمه الله- في بيان من هم الكهان وما أحوالهم :" وأحوال الكهان معلومة قديما
وحديثا في إخبارهم عن نوع من المغيبات بواسطة إخوانهم من الشياطين الذين يلقون
اليهم السمع ،ولم يزل هؤلاء في الوجود ".[28]
من خلال التعاريف السابقة يتبين أن تعامل الكهان لا يكون إلا مع
إخوانهم من الشياطين الذين يخبرونهم عن
نوع من المغيبات وغيرها من الأكاذيب والترا هات ، فإذن من كان ديدنه هذا فما حكمه
في دين الله تعالى؟. والكهان من الطواغيت هم - وهم من أولياء الشياطين – الذين
يوحون اليه، كما قال الله تعالى " وإن الشياطين ليوحون الى أوليائهم ليجادلوكم
"[29].
ويتنزلون عليهم ويلقون اليهم الكلمة من السمع فيكذبون معها مائة كذبة كما قال الله
عز وجل :" هل أنبؤكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أتيم، يلقون
السمع واكثرهم كاذبون"[30]
.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله " يقول الله تعالى ذكره (هل
أنبؤكم ) أيها الناس (على من تنزل الشياطين) من الناس (تنزل على كل أفاك ) يعني
كذاب بهات (أتيم) يعني آثم. ثم نقل بسنده عن قتادة في قوله تعالى( كل أفاك أثيم)
أنه قال هم الكهنة تسترق الجن السمع ثم يأتون به الى أوليائهم من الإنس[31]".
وفي حديث الوحي من صحيح
البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
:"...فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض فيلقيها الى من
تحته ثم يلقيها الأخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما
أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وبما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة "[32].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من أتى حائضا أو مرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل
على محمد "[33].
ويدخل أيضا في حكم الكاهن من يأتيه فيصدقه فيما يقول وما يدعي كأن
يصدقه بأنه يعلم الغيب او غير ذلك. قال تعالى:" قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ
إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"[34]
وقال أيضا "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ
وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)"[35]
ويقول سبحانه في سورة الطور" أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ"[36]
والآيات في هذا السياق كثيرة جدا. أما الأحاديث فكثيرة أيضا ومنها حديث ابي هريرة
المتقدم، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي قال فيه :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "من اتى عرافا فصدقه لم تقبل له صلاة اربعين يوما"[37]فالأحاديث
واضحة في تحريم الكهانة والنهي عن اتيان الكهان. قال الإمام القحطاني في نونيته:
لا تتبع علم النجوم فإنــــــــه متعلق بزخارف الكهـــان
علم النجوم وعلم شرع
محمد في قلب عبد ليس يجتمعان[38]
وقال العلامة حافظ بن
أحمد الحكمي في كتابه (الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة ):
ثم الكهانة كفر والتطير
والتـــ نجيم والنوء ممن فيه يعتقد[39]
وقال أيضا في منظومة
(سلم الوصول الى علم الأصول)
ومن يصدق كاهنا فقد
كفر بما أتى به الرسول المعتبر[40]
وقد ذكر عند شرح هذه
المنظومة في كتابه الموسوم (معارج القبول ) عشرة وجوه بين فيها حكم الكاهن أقتصر
على ذكر ستة منها :
الوجه ألأول: (كونه
وليا للشيطان) حتى تولاه، لقوله تعالى :" وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ
لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ
إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ"[41]
والشيطان لا يتولى الا الكفار ويتولونه، قال تعالى :" وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ
أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)[42]". وهذا وجه ثاني، والثالث قوله تعالى "يخرجونهم من
النور" أي نور الإيمان والهدى (الى الظلمات )أي ظلمات الكفر والضلال.
قال تعالى :" وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)[43]"
وهذا وجه رابع، والخامس تسميته طاغوتا في قوله عز وجل "يُرِيدُونَ أَنْ
يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ
الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)[44]" نزلت في المتحاكمين الى كاهن جهينة .
وقوله تعالى (وقد أمروا
أن يكفروا به) أي الطاغوت وهذا وجه سادس[45].
جاء في حديث معاوية بن
الحكم السلمي رضي الله عنه قوله للنبي صلى الله عليه وسلم " ان منا قوما
يتطيرون "، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا له:" داك شيء يجدونه
في صدورهم فلا يصدنهم" فقد تضمن هذا الحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن
التطير وأمره بالتوكل حيث بين الداء والدواء، فما هي اذن الطيرة ؟ وما حكمها وكيف
علاجها؟.
الطيرة في اللغة: من
الطيران حركة ذي الجناح في الهواء. وطار الطائر يطير طيرا وطيرانا وطيرورة وأطاره
وطيرة وطار به[46]. وقال
صاحب القاموس المحيط: الطيرة بفتح الياء والطيرة بسكون الياء والطورة: ما يتشاءم
به من الفأل الرديء وتطير به ومنه، وأرض مطارة : كثيرة الطير. وبئر واسعة الفم وهو
طيور فيور: حديد سريع الفيئة [47].
اما اصطلاحا فهي
:"على وزن فعلة وهي اسم مصدر تطير، والمصدر منه تطير وهي التشاؤم بمرئي أو
مسموع، وقيل التشاؤم بمعلوم مرئيا كان أو مسموعا زمانا كان أو مكانا وهذا اشمل،
فيشمل ما لا يرى ولا يسمع كالتطير بالزمان. وأصل التطير، التشاؤم لكن اضيف الى
الطير لأن غالب التشاؤم عند العرب بالطير فعلقت به وإلا فان تعريفها العام
:التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم. وكان العرب يتشاءمون بالطير وبالزمان والأشخاص[48]".
أما حكم الطيرة، فقد
أخرج ابن المبارك – رحمه الله- بسنده في كتاب "دم الدنيا" أن وهب بن
منبه قال:" ثلاث من مناقب الكفر: الغفلة عن الله عز وجل وحب الدنيا
والطيرة"[49].
وقال ابن القيم رحمه
الله : ولا يحصل لهم طيرة تصدهم عما يقصدونه، فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه[50]".
وسبب كون الطيرة شرك أنها تنافي عبادة من أهم العبادات الا وهي التوكل على الله،
فتعطيل العبادة بشيء موهوم لا وجود له نفاه الكتاب ونفته السنة كما سياتي بيانه.
والتطير مناف أيضا لقضاء الله وقدره على الرغم من أنها لا تغير من ارادة الله
شيئا.
قال حافظ الحكمي :
لا نوء ولا عدوى ولا
طيرة ولا عما قضى الله حولا [51]
وقال ابن القيم :"
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :الطيرة شرك. فيحتمل أن يكون من
الكبائر وأن يكون دونها "[52].
ومن الأدلة على ما سبق
قوله تعالى :" أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)"[53]
قال البغوي – رحمه الله-:" أي انصباؤهم من الخصب والجذب والخير والشر كله من
الله وقال ابن عباس: طائرهم ما قضى الله عليهم وقدر لهم وفي رواية عنه: شؤمهم عند
الله ومن قبل الله أي: إنما جاءهم الشؤم بكفرهم بالله وقيل: معناه الشؤم العظيم
الذي لهم عند الله من عذاب النار"[54].
وهذه الآية جاءت كجواب على ما سبق في اولها في قوله تعالى :"وان تصبهم سيئة
يطيروا بموسى ومن معه". وقال تعالى:"
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا
اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ
تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ
قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)"[55].
ومن الأحاديث الدالة
على تحريم الطيرة حديث معاوية بن الحكم، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر"[56].
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:" من ردته الطيرة عن
حاجته فقد أشرك"[57]
هذا اما على علاجها فهو التوكل على الله كما قال تعالى " وعلى الله فتوكلوا
ان كنتم مؤمنين"[58]وكذلك
الفأل الحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل ويكره الطيرة لأن الفأل
تقوية لما فعله بإذن الله وتوكل عليه. ففي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطيرة شرك، الطيرة شرك "قال ابن
مسعود:" وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل"[59]ن
وعن أبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لا طيرة
وخيرها الفأل. قالوا و ما الفأل ؟قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم "[60].
المسألة الثالثة : في
بيان معنى الخط وحكمه
الخط في أصل اللغة من الخط وهو الطريقة المستطيلة في الشيء والجمع
خطوط، نقول خط القلم أي كتب، وخط الشيء يخطه خطا، كتبه بقلم أو غيره[61].
أما اصطلاحا فقد أورد
العلامة شمس الحق العظيم آبادي في كتابه "عون المعبود " تعريفا كانت
تستعمله العرب فقال :"الخط عند العرب فيما فسره ابن الأعرابي قال: يأتي الرجل
العراف وبين يديه غلام فيأمره أن يخط في الرمل خطوطا كثيرة وهو يقول ابني عيان
أسرعا البيان ثم يأمر من يمحوا منها اثنين حتى ينظر آخر ما يبقى من تلك الخطوط
فإذا كان الباقي زوجا فهو دليل الفلاح والظفر وإن بقي فردا دليل الخيبة واليأس
"[62].
اما حكم الخط فقد تطرق
له الإمام النووي رحمه الله قال:" في قول معاوية بن الحكم (ان منا قوما يخطون
.قال صلى الله عليه وسلم :كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذلك) :اختلف
العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا الى العلم اليقين
بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح الا بيقين الموافقة وليس لنا
يقين بها وانما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وافق خطه فذاك ومن لم يقل هو
حرام بغير تعليق على الموافقة لأن لا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي
الذي كان يخط "[63].
المسألة الرابعة : في
جواز السؤال عن الله بأين وأنه سبحانه وتعالى في السماء.
لقد دل الجزء الأخير من
حديث معاوية بن الحكم المتعلق بقصة الجارية على أمرين مهمين وهما اثبات صفة من
صفاة الرب جل جلا له وهي علوه سبحانه وتعالى كما دل على جواز السؤال عن الله
سبحانه وتعالى بأين خلافا لمن لا يقول بذلك. قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله
:"معاني هذا الحديث واضحة يستغني عن الكلام فيها، وأما قوله (أين الله) على
هذا أهل الحق لقوله تعالى (أأمنتم من في السماء)[64]
ولقوله تعالى :(اليه يصعد الكلم الطيب)[65]ولقوله:(
تعرج الملائكة والروح اليه)[66]
ومثل هذا في القرآن كثير "[67].ويقول
رحمه الله في الاستذكار:" وأما قوله في هذا الحديث للجارية (أين الله) فعلى
ذلك جماعة أهل السنة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته كلهم يقول
ما قال الله في كتابه (الرحمن على العرش استوى)[68]وأن
الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى (آمنتم من
في السماء).ومخالفون ينسبوننا في ذلك الى التشبيه، والله المستعان ومن قال بما نطق
به القرآن فلا عيب عند دوي الألباب "[69].
قال الإمام الذهبي :"ففي
الخبر مسألتان: احداهما شرعية قول المسلم (أين الله)؟ ثانيهما قول المسؤول في
السماء فمن انكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم "[70]ويقول
الإمام الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية :
(...ونكفرهم أيضا أنهم
لا يدرون أين الله ولا يصفونه بأين والله قد وصف نفسه بأين فقال:(الرحمن على العرش
استوى) (وهو القاهر فوق عباده) و(واني متوفيك ورافعك الي )و (ويخافون ربهم من
فوقهم ) و(أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)....) هذا كله وصف [بأين] ووصفه
رسول الله[بأين] فقال للأمة السوداء: أين الله؟ فقالت في السماء فقال :من انا؟ قالت:
رسول الله، قال: أعتقها فغنها مؤمنة.) والجهمية تكفر به وهذا من واضح كفرهم،
والقرآن ينطق بالرد عليهم وهم يعلمون ذلك أو بعضهم ولكنهم يكابرون، ويغالطون
الضعفاء فقد علموا أنه ليس من حجة أنقض لدعواهم من القرآن "[71]
ويقول شيخ الإسلام بن
تيمية رحمه الله :" والجارية التي قال لها النبي أين الله؟ قالت: في السماء
قال: أعتقها فإنها مؤمنة ." جارية أعجمية أرأيت من فقهها أخبرها بما ذكرت؟
وانما أخبرت عن الفطرة التي فطرها الله تعالى عليها، وأقرها النبي على ذلك وشهد
لها بالإيمان، فليتأمل العاقل ذلك يجده هاديا له على معرفة ربه بالإقرار به كما
ينبغي لا ما أحدثه المتعمقون المتشدقون ممن سول لهم الشيطان وأملى لهم"[72].
قال الشافعي:"
فلما و صفت الإيمان وأن ربها تبارك وتعالى في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة، فقد
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) فأجاب من سأله بأن الله في السماء
فرضي جوابه وعلم به أنه حقيقة الإيمان لربه فأجاب هو صلى الله عليه وسلم من سأله
أين الله ؟ولم ينكر هذا السؤال عليه وعند الجهم ان سؤال بأين الله؟ كسؤال بما
لونه؟ وما طعمه؟ وما جنسه؟ وما أصله ؟ ونحو ذلك من الأسئلة المحالة الباطلة "[73]
هذا وكل ما سبق ذكره دليل على أن الله سبحانه وتعالى في العلو أي في السماء كما
تواترت بذلك الأدلة من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة لكن ذكره سبحانه وتعالى للقرب
والمعية لا ينفي عنه سبحانه العلو والفوقية.
قال حافظ ابن احمد
الحكمي[74]
رحمه الله :
وذكره للقرب
والمعية لم ينف للعلو والفوقيــــــة
فانه العلي في دنـــــوه وهو القريب جل في علوه
وقال الشيخ محمد بن
صالح العثيمين – رحمه الله -:"معية الله عز وجل تنقسم الى قسمين عامة وخاصة،
والخاصة تنقسم الى قسمين مقيدة بشخص ومقيدة بوصف.
- أما العامة: فهي تشمل
كل أحد من مؤمن وكافر وفاجر ودليلها قوله تعالى(وهو معكم أين ما كنتم والله بما
تعملون بصير)[75].
- أما الخاصة المقيدة بوصف، فمثل قوله تعالى" ان
الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"[76].
- أما الخاصة المقيدة بشخص معين فمثل قوله تعالى عن
نبييه "اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا"[77].ثم
ذهب رحمه الله الى بيان نوعية هذه المعية هل هي حقيقية أو كتابية عن علم الله عز
وجل فقال:" أكثر عبارات السلف رحمهم الله يقولون إنها كناية عن العلم وعن
السمع والبصر والقدرة وما أشبه ذلك فيجعلون معنى قوله تعالى "وهو معكم"
وهو عالم بكم سميع لأقوالكم بصير بأعمالكم قادر عليكم حاكم بينكم ...."[78].
والى هذا التقسيم ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في (منها ج السنة)[79]
.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن المعية على حقيقتها
وان كونه معنا حق على حقيقته لكن معيته ليست معينة كمعية الإنسان التي يمكن أن
يكون الإنسان في مكانه، لأن معية الله عز وجل ثابتة له وهو في علوه، فهو معنا وهو
على عرشه فوق كل شيء، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون معنا في الأمكنة التي
نحن فيها. الى جانب هذا فقد عقد شيخ الإسلام فصلا خاصا في عدم وجود تنافي بين
المعية والعلو.
ومن الأمثلة التي ضربها
في هذا السياق: القمر قال: انه يقال ما زلنا نسير والقمر معنا، وهو موضوع في
السماء وهو من أصغر المخلوقات، فكيف لا يكون الخالق عز وجل مع الخلق الذي بالنسبة
اليه ليسوا بشيء وهو فوق سماواته"[80].
وعلم وفقنا الله وإياك
أن علو الله على ضربين علو معنوي وعلو ذاتي:
العلو المعنوي: فهو
تابت بإجماع أهل القبلة أي أهل السنة وأهل البدعة.
العلو الذاتي: فيثبته أهل
السنة، ولا يثبته أهل البدعة. والطريق الى هذا التقسيم الاستقراء، وأهم من عمل في
هذا المجال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمهما الله. وفي هذا المجال يقول
ابن القيم ردا على الجهمية "ان الجهمية المعطلة معترفون بوصفه تعالى بعلو
القهر وعلو القدرة وإن ذلك كمال لا نقص فيه فإنه من لوازم ذاته فيقال ما أتبتم به
هذين النوعين من العلو والفوقية هو بعينه حجة خصومكم عليكم في اثبات علو الذات له
سبحانه وما نفيتم به علو الذات له سبحانه وما نفيتم به علو الذات يلزمكم أن تنفقوا
به دينك الوجهين "[81]
أما الأدلة على هذا القسم كثيرة ومتواترة وسنقتصر على
ذكر بعضها:
قال تعالى:( أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ
يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ
(17)[82])
وقال تعالى :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ
يَرْفَعُهُ) [83].
وقال تعالى :"تعرج الملائكة والروح اليه "
وقال تعالى:" يا عيسى اني متوفيك ورافعك الي"[84]،
هذه مجموعة من الأدلة القرآنية أما السنة فنجد:
منها حديث معاوية بن الحكم السلمي حيث سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم الجارية (أين الله؟)فقالت: في السماء.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حديث تعاقب الملائكة "ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو
أعلم بهم "[85] وعن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من تصدق بعدل ثمرة
من كسب طيب ولا يصعد الى الله الا الطيب"[86]،وفي
الصحيحين من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :"ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء والأرض، يأتيني خبر السماء
صباحا ومساء" ونكتفي بهذا القدر من
الأدلة حتى لا أطيل، ومن أراد المزيد فليرجع لكتاب(العلو للعي الغفار) للإمام
الذهبي فإنه أورد أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وذلك في أول كتابه.
ونأتي الآن إلى ذكر أقوال السلف وأئمة العلم في علوه
سبحانه وتعالى:
قال حسان بن ثابت :
شهدت بإذن الله أن محـــــمدا رسول الذي فوق السموات من علي
وأن أخا الأحقاف اذ قام فيهمو يقول بذات الله فيهم ويعـــــــــــــدل
وأن أبا يحي ويحي كلاهمــــا له عمل من ربه متقبــــــــــــــــــل [87]
قول أبي حنيفة أبي
حنيفة رحمه الله :عن نوح الجامع أن أبا حنيفة قال:" ان الله عز وجل في السماء
دون الأرض" وقال أيضا:" من أنكر أن الله عز وجل في السماء فقد كفر"[88]
قول الإمام الأوزاعي رحمه الله :" كنا والتابعون متوافرون نقول إن
الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة".[89]
قول سفيان الثوري :روى غير واحد عن معدان قال: سألت
سفيان الثوري عن قوله عز وجل (وهو معكم أين ما كنتم ) قال: علمه [90].
قول الإمام مالك امام دار الهجرة :
أخرج أبو بكر الآجري من طريق عبد الله بن نافع قال:
قال مالك بن أنس- رضي الله عنه-:" الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا
يخلوا من علمه مكان "[91].
قول الليث بن سعد عالم مصر وفقيهها:
روى الإمام الذهبي رحمه الله من طريق خارجة عن الوليد
قال: "سألت الأوزاعي والليث بن سعد ومالكا والثوري عن الأحاديث التي فيها
الرؤيا وغير ذلك فقالوا أمضها بلا كيف"[92].
قول عبد الرحمن بن مهدي :
قال الذهبي رحمه الله: نقل غير واحد بإسناد صحيح عن
عبد الرحمن بن مهدي الذي يقول فيه علي بن المديني حافظ الأمة:" لو حلفت بين
الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت أعلم من ابن مهدي "قال:" ان الجهمية
أرادوا أن ينفوا أن يكون الله كلم موسى وأن يكون على العرش، فأرى أن يستتابوا والا
ضربت أعناقهم"[93].
قول الإمام الشافعي رحمه الله:
روى الحافظ المقدسي عن محمد بن ادريس الشافعي
قوله:" القول في السنة التي أنا عليها ورأيت عليها الذين رأيتهم مثل سفيان
ومالك وغيرهما، اقرار بشهادة أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله – صلى الله
عليه وسلم – وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف يشاء"[94].
قول الإمام القعنبي رحمه الله:
قال بنان بن أحمد "كنا عند القعنبي فسمع رجلا من
الجهمية يقول:" الرحمن على العرش استول" فقال القعنبي: من لا يوقن أن
الرحمان على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي"[95].
قول الإمام أحمد رحمه الله:
أخرج الإمام الذهبي من طريق يوسف بن موسى القطان شيخ
أبي بكر الخلال قيل لأبي عبد الله: الله فوق السماء السابعة على عرشه بائن من
خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان.
قال: نعم هو على عرشه ولا يخلو شيء من علمه.[96]
قول ابن أبي داود عبد الله بن سليمان الأشعت أبو بكر:
وقل ينزل الجبار في كل ليلة بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله فتفرج أبواب السماء وتفتح
يقول ألا مستغفر يلق غافرا ومستمنح خيرا ورزقا فيمنح[97]
قول الإمام القحطاني:
وهو المحيط بكل شيء علمـــــه من غير إغفال ولا نســـــيان
من ذا يكيف ذاته وصــــــــــفاته وهو القديم مكون الأكــــوان
سبحانه ملكا على العرش استوى
وحوى جميع الملك والسلطان[98]
قول الإمام البربهاري:
قال رحمه الله" والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري
به في السماء وصار إلى العرش وسمع كلام الله ودخل الجنة واطلع على النار ورأى
الملائكة وسمع كلام الله تعالى وبشرت به الأنبياء ورأى سرادقات العرش والكرسي
وجميع ما في السماوات في اليقظة.."[99]
قول أبي موسى الأشعري:
قال رحمه الله تعالى: " إن قال قائل ما تقولون في الاستواء؟ قيل
له: نقول: إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به من غير طول استقراركما
قال:{ الرحمن على العرش استوى}[100]
وأكتفي بهذا القدر من أقوال الأئمة الأعلام ولوذهبت إلى التفصيل بذكر
أقوال كل واحد لطال بنا الحديث وليس هذا مقام ذلك.
المسألة الخامسة: الفوائد العقائدية في الحديث
جاء حديث معاوية بن الحكم السلمي- رضي الله عنه- بمجموعة من الفوائد
لها علاقة بصميم عقيدة المسلم:
- تحريم إتيان الكهان وتصديقهم بما يدعون.
- تحريم التطير وأن يخرم عبادة من العبادات وهي التوكل على الله تعالى.
- النهي عن الخط وأنه من الكهانة، وأنه لا يمكن موافقة خط ذلك النبي
لأنه لايعرف له هذا الخط.
- جواز السؤال عن الله "بأين" والرد على من أنكر ذلك.
- وفيه أن الله في السماء أي في العلو وهو ما فوق العرش فما دونه.
- وفيه دليل على أن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
فإنه يحكم له بالإيمان ويشهد له به.
المبحث الثاني: الجانب الفقهي في الحديث
هذا المبحث سنتناول فيه مجموعة من المسائل الفقهية الواردة في الحديث
والتي تحتاج إلى البيان وفق الشكل التالي:
المسألة الأولى: في تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان منه مباحا:
مر الكلام في الصلاة على عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم بمرحلتين اثنتين، وهي إباحة الكلام في الصلاة، حيث كان
الناس يتكلمون بحوائجهم فيها ثم جاءت المرحلة الثانية وهي نسخ ما كان من إباحة
الكلام في الصلاة إلى التحريم وقد دل على ذلك قوله تعالى{حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} قال ابن جرير الطبري-رحمه الله- في معرض تفسير
هذه الآية: (عن عطية قوله) تعالى (وقوموا لله قانتين) كانوا يتكلمون في الصلاة
بحوائجهم حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فتركوا الكلام في الصلاة، وقال بعد هذا
فتأويل الآية إذا حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله فيها مطيعين بترك
بعضكم فيها كلام بعض وغير ذلك من معاني الكلام)[101]ومن
الآيات التي استدلوا بها على ذلك قله تعالى في سورة الاعراف:{وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}[102]
قال الواحدي في تفسير الآية :" الآية نزلت في تحريم الكلام في الصلاة حيث كانوا يتكلمون فيها في أول الإسلام"[103]
ومن الأحاديث الدالة على كون الكلام في الصلاة كان مباحا ثم حرم بعد
ذلك حديث معاوية بن الحكم السلمي الطي هو حديث الباب، فقد بوب مسلم عليه
بقوله:(باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة) وفي الصحيحين من طريق
زيد بن أرقم قال: كان الرجل يكلم صاحبه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت
هذه الآية {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت[104].
حديث زيد بن أرقم هذا يعدمن الأحاديث التي في حكم الرفع فهو من كلامه
رضي الله عنه وقد أشارإلى هذا ابن حجر في الفتح:[105]
والحديث فيه دلالة واضحة على أن الكلام كان مباحا ونسخ الحكم بالإباحة إلى التحريم
وقد علق ابن حجر-رحمه الله- على الحديث بقوله: "قوله حتى نزلت ظاهر في أن نسخ
الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية)
إلى جانب هذا فقد اختلف العلماء في مكان وقوع النسخ تبعا للحجيث الذي
قدمناه وكذلك للحديث المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود حيث دل الحديث الأول على أن
النسخ وقع بالمدينة لاتفاق جمهور المفسرين على أن هذه الآية مدنية، ودل حديث ابن
مسعود رضي الله عنه على وقوعه بمكة لقوله:(كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا
وقال إن في الصلاة شغلا) وكان رجوعهم إلى أنذاك مكة . ومن الفقهاء من ذهب إلى أن
الكلام في الصلاة قد أبيح مرتين وحرم مرتين كما طكر طلك الحافظ بن كثير رحمه الله.
ونجد ابن حبان رحمه الله أفاض القول في هذا حيث نقل خبرا يبين فيه متى وقع النسخ.
قال رحمه الله:" ذكر خبرقد يوهم غير المتبحر في صناعة العلم أن نسخ الكلام في
الصلاة كان ذلك بالمدينة لا بمكة ) ثم بدأ في سرد الخبر قائلا:" أخبرنا الحسن
بن سفيان قال: حدثنا حبان بن موسى قال: أخبرنا عبد الله عن اسماعيل بن أبي خالد عن
الحارث بن شبيل عن أبي عمر الشيباني عن زيد بن أرقم قال: كنا في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه في الصلاة في حاجته حتى نزلت هذه الآية :{حافظوا
على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} فأمرنا حينئذ بالسكوت. قال أبو
حاتم رضي الله عنه : هطه الفظة عن زيد بن أرقم: " كنا في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه في الصلاة" قد توهم عالما من الناس أن نسخ الكلام
في الصلاة كان بالمدينة لأن زيد بن أرقم من الأنصار وليس الأمر كذلك لأن نسخ
الكلام في الصلاة كان بمكة عند رجوع ابن
مسعود وأصحابه من الحبشة ولخبر زيد بن أرقم معنيان :
أحدهما: أن المحتمل أن زيد بن أرقم حكى إسلام الأنصار قبل قدوم
المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة حيث كان مصعب بن عمير يعلمهم القرآن وأحكام
الدين وحينئذ كان الكلام مباحا في الصلاة بمكة والمدينة سواء فكان بالمدينة من
أسلم من الأنصار قبل قدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهم يكلم أحدهم صاحبه في
الصلاة قبل نسخ الكلام فيها فحكى زيد بن أرقم صلاتهم في تلك الأيام لا أن نسخ
الكلام في الصلاة كان بالمدينة.
والمعنى الثاني: أنه أراد بهذه اللفظة الأنصاروغيرهم الذين كانوا
يفعلون ذلك قبل نسخ الكلام في الصلاة على ما يقول القائل في لغته: فقلنا: كذا يريد
به بعض القوم الذين فعلوا لا الكل.
وإسناد هذا الخبر صحيح على
شرط البخاري ومسلم. قال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على هذا الخبر: إسناده صحيح على
شرطهما.[106] وقد
أورد العلامة الشوكاني رحمه الله في النيل
هذا الخبر وأعقبه بكلام للحافظ العراقي وخلص رحمه الله في الاخير إلى القول
: " أن يكون الكلام نسخ بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة.ومنها حمل
حديث ابن مسعود على تحريم الكلام لغير مصلحة الصلاة وحديث زيد على تحريم سائر
الكلام.[107] وذهب
ابن عبد البر إلى أن الكلام حرم بمكة واستدل على ذلك بحديث ابن مسعود ودفع القول
بالنسخ في الأحاديث الواردة كحديث ذو اليدين الذي يرويه أبو هريرة وحديث زيد بن
أرقم السابق وفق بينهما على أن التحريم وقع بمكة ثم نقل الحكم إلى المدينة فرواه
زيد بن أرقم.[108]
المسألة الثانية:بيان الكلام الذي يحرم في الصلاة من غيره
لقد توسع الفقهاء رحمهم الله قديما وحديثا في قدر الكلام المبطل
للصلاة فأطلق البعض وقيد البعض الآخر. وهذا بيان لهذه الآراء انطلاقا من قوله صلى
الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم" إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام
الناس هذا إنما هي التسبيح والتكبيروقراءة القرآن". في هذا دلالة على تحريم
الكلام في الصلاة وجواز التكبير والتسبيح وقراءة القرآن، وهذا على اعتبار أن الصلاة
قائمة على هذا.
قال النووي رحمه الله في تعليقه على هذا المقطع من الحديث[109]
" فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء أكان لحاجة أو لغيرها وسواء كان لمصلحة في
الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أوإذن لداخل أونحوه سبح إن كان رجلا وصفقت إن
كانت امرأة، هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم، والجمهور من السلف
والخلف. وقال طائفة منهم الأوزاعي يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث ذي اليدين.[110]
كما أن الحديث أطلق الصلاة ولم يحددها في أي صلاة فشمل ذلك الفريضة والنافلة.ونجمل
كلام الفقهاء فيما يلي:
ذهب أبو حنيفة والكوفيون إلى أن كلام العامد في الصلاة يبطلها، وأما
كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله
لحديث معاوية بن الحكم، لأن النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة
الصلاة.[111] يتبين
من هذا أن كلام الجاهل والناسي في الصلاة لايبطلها إذا كان قليلا لكن ابن رشد-رحمه
الله- قال في بداية المجتهد: " وقال أبو حنيفة: يفسدها التكلم كيف كان.[112]
قال أبو بكر الجصاص-رحمه الله- وهو حنفي: " لم يفرق أصحابنا بين شيء منه
وأفسدوا الصلاة بوجوده فيها على وجه سهو وقع أو لإصلاح الصلاة".[113]
وذهب الإمام مالك -رحمه الله- إلى أن الكلام في الصلاة على جهة
الإصلاح لا يفسدها وإن كان عمدا وهذا هو المشهورمن المذهب كما أشارإلى ذلك ابن رشد
–رحمه الله-.[114]
قال الأبي الأزهري في شرحه لرسالة أبي زيد القيرواني :" وأما من
تكلم لإصلاح صلاته أي يسيرا وأما الكثير فيبطل، وكذا الناسي إن تكلم يسيرا فلا شيء
عليه، وأما الكثير فمبطل".[115]
فإذن الكلام لغير إصلاح الصلاة عمدا مبطل، ولو مجرد لفظ كلمة مفهمة
نحو نعم أولا لمن سأله عن شيء وقد دل حديث معاوية بن الحكم على هذا في قوله صلى
الله عليه وسلم: " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" أم
إذا كان للإفهام وكان الكلام بالتسبيح أو التحميد أو التكبير أ, قراءة القرآن
ليفهم غيره أنه في الصلاة فأجازه المالكية.
أما الكلام سهوا فإن كان يسيرا عرفا فهو لايبطل وإن كان كثيرا عرفا
فيبطل.
أما إن كان الكلام لإصلاح الصلاة فقليله لايبطل إذا لم يفهم الإمام
الغرض من تسبيح المأموم، أما الكثيرمن الكلام فيبطل الصلاة ولو كان لإصلاحها.
والكثير هو ما زاد على الحاجة، وتقدر الحاجة بقدرها.[116]
أما الشافعي رحمه الله تعالى فيرى أن الكلام في الصلاة عمدا يبطلها،
وهذا متفق فيه مع باقي المذاهب الأخرى. وقد حكى ابن المنذر الإجماع على ذلك، قال
-رحمه الله- " أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدا وهو لايريد
إصلاح صلاته فاسدة[117]
ومما خالف فيه الإمام الشافعي غيره قوله: بأن الكلام يفسد الصلاة
كيفما كان إلا مع النسيان، وقد كى هذا القول ابن رشد في بداية المجتهد[118].
قال صاحب الشرح الوجيز: " لو أكره على الكلام في صلاته تبطل
صلاته على الصحيح بخلاف النسيان"[119]
هذا وقد أورد الإمام النووي- رحمه الله- حديث معاوية بن الحكم في المجموع ، واستدل
به على أن سبق النسيان من غير قصد إلى الكلام أو غلبة الضحك لا يبطل الصلاة لأنه
غير مفرط فيه فهو كالناسي والجاهل وإن طال الكلام وهو ناس أو جاهل بالتحريم أو
مغلوب ففيه وجهان:
الوجه الأول: عند البويطي وهو القول بالبطلان.
الوجه الثاني: وهو عدم البطلان قياسا على الأكل نسيانا في حالة الصوم لا يبطله[120].
ويتلخص من مذهب الإمام الشافعي في الكلام في الصلاة أن المتكلم يعذر
في حالات:
- أن يسبق لسانه إلى الكلام بغير قصد أو يغلبه الضحك أو العطاس.
- أن يتكلم ناسيا أو جاهلا للتحريم بسبب قرب عهده بالإسلام أو نشوئه
في بادية.
- يعذر بالتنحنح ولو كثر إن تعذر عليه النطق بركن قولي من أركان
الصلاة[121].
وبقي لنا مذهب الإمام أحمد – رحمه الله – في الكلام في الصلاة فأقول
وبالله التوفيق:
إن الكلام في الصلاة في مذهبه على قسمين:
القسم الأول: وهو الكلام العمد في الصلاة فهذا مبطل للصلاة.
القسم الثاني: وهو الكلام الواقع على غير عمد.
قال فيه صاحب المغني: " فأما الكلام غير ذلك – يعني رحمه الله
الكلام العمد – فيقسم خمسة أقسام:
أحدها : أن يتكلم جاهلا بتحريم الكلام في الصلاة قال القاضي في الجامع: لا
أعرف عن أحمد نصا في ذلك، ويحتمل أن لا تبطل صلاته، لأن الكلام كان مباحا في
الصلاة.
واستدل بحديث ابن مسعود المتقدم، وحديث زيد بن أرقم، وحديث معاوية بن
الحكم.
القسم الثاني: أن يتكلم ناسيا وذلك نوعان: أحدهما أنه في صلاة ففيه روايتان،
الأولى القول بالبطلان، والثانية القول بالفساد دون البطلان.
النوع الثاني: أن يظن أن صلاته تمت فيتكلم، فهذا إن كان سلاما لم تبطل الصلاة وإن
غيره مما هو من الصلاة فهو يفسدها، وإن كان من غير الصلاة فهو يبطلها.
القسم الثالث: أن يتكلم مغلوبا على الكلام وهو ثلاثة أنواع:
أحدها : أن تخرج الحروف من فيه بغير اختياره.
الثاني: أن ينام فيتكلم فقد توقف الامام أحمد عن الجواب فيه، وينبغي أن لا
تبطل صلاته.
الثالث: أن يكره على الكلام فيحتمل أن يخرج على كلام الناسي، قال القاضي:
وهذا أولى بالعفو.
القسم الرابع: أن يتكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على صبي أو ضرير لوقوعه في هلكة
فهذه تبطل الصلاة.
القسم الخامس: التكلم لإصلاح الناس إذا كان من الإمام لا تبطل الصلاة وكذلك إذا كان
من المأموم[122].
هذا وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام الفقهاء في هذا
الباب في فتواه[123]،
وليس لنا مجالا لعرض كلامه هنا.
المسألة الثالثة: الفوائد الفقهية التي تضمنها الحديث
دلالة الحديث على أن الجاهل إذا تكلم في صلاته لا تبطل صلاته لعدم أمر
الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن الحكم بإعادة الصلاة[124].
دلالة الحديث على جواز الفعل القليل في الصلاة، وأنه لا تبطل الصلاة
به وأنه لا كراهة فيه[125].
حرص الصحابة رضي الله عنهم على التمس بالسنة والغضب لمخالفتها.
1- جواز الكلام العمد في الصلاة لأجل إصلاحها[126].
2- الكلام الذي يكون بلفظ القرآن لا تبطل به الصلاة.
3- التحلي بالرفق واللين في الدعوة إلى الله.4- تعامل الرسول صلى الله
عليه وسلم مع معاوية بن الحكم يجسد أرقى أسلوب في الدعوة إلى الله.
5- حسن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى: "
وإنك لعلى خلق عظيم "[127].
6- دلالة الحديث على أن الكلام كان مباحا ثم نسخ كما بوب بذلك الإمام
مسلم وغيره.
7- جواز الكلام في الصلاة بالذكر والدعاء.
خاتمة:
من خلال كل ما سبق نخلص إل القول بأن حديث معاوية بن الحكم من أصح
الأحاديث على الإطلاق فقد أخرجه الإمام
مسلم وغيره كما سبق،وقد تضمن هذا الحديث أمورا عقائدية تتمثل في إثبات صفة
من صفات الله تعالى وهي صفة العلو، وكذلك بيان جواز السؤال عن الله "
بأين"، كما تضمن أيضا تحريم مجموعة من الأمور التي قد تخدش في عقيدة كل مسلم،
ومنها الكهانة والطيرة والخط فين الحديث حرمتها.
كما احتوى الحديث على جانب آخر وهو الجانب الفقهي، حيث بين الكلام
الذي يحرم في الصلاة والطي لا يحرم فيها.
والحديث دل أيضا على أن الكلام في الصلاة نسخ كما بوب العلماء على ذلك
في كتبهم.
وأخيرا أقول قولي هذا ......
[1] - أخرجه البخاري
في كتاب الجنائز باب : ما يكره من النياحة على الميت برقم 1229 ومسلم في مقدمة
صحيحه باب :في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
[6] - نشر وزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية -المغرب-1387 بتحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير المدغري
[7] - العلل الواردة
في الأحاديث النبوية نشر : دار طيبة - الرياض - لطبعة الأولى 1405-1985 تحقيق د.محفوظ الرحمن زين الله
السلفي .
[22] - قلت الجانب
العقائدي ويصح العقيدي ولا نقول العقدي كما هو مشهور لأن كلمة (عقيدة) معتلة العين
ونسبتها تكون بعقيدي أو عقائدي.كما ذكر ذلك ابن فارس في مقاييس اللغة. يقول ابن
مالك:
وتمموا ما كان كطويلة وهكذا ما كان كالجليلة
[33] - أخرجه أبو داود
في سننه كتاب الطب باب في: النجوم برقم 3904 والترمذي في كتاب الطهارة باب كراهية
اتيان الحائض برقم 135وابن ماجة في كتاب الطهارة باب النهي عن اتيان الحائض برقم
639 وصححه الألباني في صحيح أبي داوود
[37] - أخرجه أبو داوود
في سننه كتاب الطب باب في النجوم برقم 3095 وبن ماجة كتاب الآداب/ كتاب تعلم
النجوم برقم 3726 وصححه الألباني في صحيح الجامع.
[56] - البخاري في
صحيحه كتاب الطب باب لا هامة ولا صفر. ومسلم في كتاب السلام. باب: لا عدوى ولا
طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح .
[60] - صحيح رواه
البخاري كتاب الطب باب الطيرة برقم 5422 ومسلم كتاب السلام باب الطيرة والفأل وما
يكون فيه من الشؤم برقم 2223.
[85] - أخرجه البخاري
في كتاب التوحيد/باب قول الله تعالى(تعرج الملائكة والروح اليه) ومسلم كتاب
المساجد/باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما
[86] - أخرجه البخاري
كتاب الزكاة باب قول الله تعالى (لا يسألون الناس الحافا )،ومسلم كتاب الزكاة باب
قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها
[87] - رواه أبو يعلى
في مسنده 5/61 وذكره ابن القيم في حاشيته 13/33 والحافظ المزي في تهذيب الكمال
6/21
[104] - حديث زيد ابن
أرقم هذا يعد من الأحاديث التي في حكم الرفع فهو من كلامه رضي الله عنه وقد أشار
إلى هذا ابن حجر في الفتح
تعليقات
إرسال تعليق